بورتريه الزعيـم السياسـي – كتاب « هكذا تكلم محمد بنسعيد… » نموذجا
  • 09
  • 02

تكاد‭ ‬تجمع‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬البورتريه‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬بصيغة‭ ‬عامة‭ ‬وضمنه‭ ‬البورتريه‭ ‬السياسي،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬صورة‭ ‬موجزة‭ ‬ومكثفة‭ ‬تعرفنا‭ ‬بالموضوع‭ ‬المُصوَّر‭ ‬ومميزاته‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬لنا‭ ‬خصوصياته‭ ‬الفيزيولوجية ‭ )‬كقسمات‭ ‬وجهه‭ ‬وطبيعة‭ ‬نظراته‭ ‬وملامح‭ ‬خلقته‭( ‬ وسيكولوجيته‭ ‬ (حالاته‭ ‬النفسية‭ ‬ووضعياته‭ ‬المزاجية‭( ‬ وأسلوبه‭ ‬في‭ ‬الحياة ‭ )‬كطريقة‭ ‬لباسه‭ ‬وتسريحة‭ ‬شعره‭ ‬وحركات‭ ‬جسده)‭ ‬ثم‭ ‬انتماءه‭ ‬الاجتماعي ‭ )‬كماركات‭ ‬ملابسه‭ ‬وتصميم‭ ‬أزياءه‭ ‬ونوعية‭ ‬إكسسوارته)‭ . ‬تدفعنا‭ ‬هذه‭ ‬التحديدات‭ ‬مجتمعة‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬أشكال‭ ‬الحضور‭ ‬أو‭ ‬التمظهرات‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬والمكونات،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬منها،‭ ‬في‭ ‬البورتريهات‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬لنا‭ ‬صورة‭ ‬الزعيم‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي؟‭. ‬

وللإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬سنحاول‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬حول‭ ‬التمثيلات‭ ‬والمظاهر‭ ‬الذي‭ ‬يحضر‭ ‬بها‭ ‬بورتريه‭ ‬الزعيم‭ ‬السياسي‭ ‬ورمزيته،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموع‭ ‬الاقتراحات‭ ‬والأمثلة‭ ‬والأشكال‭ ‬والنماذج‭ ‬والمحتويات‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬التي‭ ‬يقترحها‭ ‬علينا‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬محمد‭ ‬بنسعيد‭…‬‮»‬‭  .(‬1‭) ‬إن‭ ‬اختيارنا‭ ‬لهذا‭ ‬المتن‭ ‬يحكمه‭ ‬سببان‭: ‬الأول،‭ ‬المكانة‭ ‬السياسية‭ ‬والقيمة‭ ‬الرمزية‭ ‬لشخصية‭ ‬بنسعيد‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬العدد‭ ‬الهام‭ ‬والمتنوع‭ ‬للصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬المدرجة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭.‬

وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذين‭ ‬الاعتبارين،‭ ‬سنتساءل‭ ‬هل‭ ‬نجحت‭ ‬‮«‬الاختيارات‭ ‬التقنية‮»‬‭ ‬و »المقاربات‭ ‬البصرية‮ »‬‭ ‬و »المرجعيات‭ ‬الفكرية‮ »‬‭ ‬و »التصاميم‭ ‬الفنية‮ »‬‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬انتقاء‭ ‬هاته‭ ‬البورتريهات‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬وتقريب‭ ‬صورة‭ ‬بصرية‭ ‬مُكثفة‭ ‬وموثوقة‭ ‬ومُشْبَعَة‭ ‬ومؤتمنة‭ ‬للقارئ‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬آيت‭ ‬إيدر،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬أخفقت‭ ‬في‭ ‬ذلك؟ (2)‭ ‬

يمكن‭ ‬توزيع‭ ‬فوتوغرافيات‭ ‬الكتاب‭ ‬إجرائيا‭ ‬إلى‭ ‬ستة‭ ‬محاور‭ ‬أو‭ ‬سجلات‭ ‬أو‭ ‬أجناس‭ ‬من‭ ‬البورتريهات،‭ ‬فهي‭ ‬تارة‭ ‬شخصية،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬عائلية‭ ‬ومرة‭ ‬جماعية‭ ‬وزَفَّة‭ ‬رسمية،‭ ‬وحينا‭ ‬إدارية‭ ‬وحينا‭ ‬آخر‭ ‬بورتريهات‭ ‬ملتقطة‭ ‬باستديوهات‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفوتوغرافيات‭ ‬تكشف‭ ‬لنا،‭ ‬وبمسافات‭ ‬متنوعة،‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬العائلية ‭ )‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تمثله‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ( ‬والاجتماعية ‭ )‬الصور‭ ‬الحميمية‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه)‭ ‬والسياسية ‭ )‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تمثله‭ ‬بجانب‭ ‬ملوك‭ ‬المغرب‭ ‬ومع‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬صف‭ ‬الزعماء‭ ‬السياسيين‭ ‬المغاربة‭ ‬منهم‭ ‬والأجانب)‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تُعَرِّف‭ ‬وبمستويات‭ ‬متفاوتة،‭ ‬بحياته‭ ‬الملآى‭ ‬بالتجارب‭ ‬والغنية‭ ‬بالأحداث‭ ‬والمشوقة‭ ‬بالمغامرات‭ ‬والطريفة‭ ‬بالمستملحات،‭ ‬فإن‭ ‬قراءتنا‭ ‬ستقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬جنس‭ ‬البورتريه‭ ‬الشخصي‭ ‬وحده‭. ‬لأننا‭ ‬نرى‭ ‬فيه‭ ‬النموذج‭ ‬الأقرب‭ ‬والأوفى‭ ‬إلى‭ ‬تشخيص‭ ‬ملامحه‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬خصوصياته‭ ‬ومزاجه‭.‬

وسيميل‭ ‬اختيارنا‭ ‬أساسا‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬قراءة‭ ‬لبورتريه‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬مع‭ ‬مقارنته‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬ببورتريه‭ ‬الصفحة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر،‭ ‬ثم‭ ‬بورتريه‭ ‬الصفحة‭ ‬الثانية‭ ‬والأربعون‭. ‬وذلك‭ ‬لأمرين‭: ‬الأول،‭ ‬أنهما‭ ‬يمثلان‭ ‬جنس‭ ‬البورتريه‭ ‬الشخصي‭. ‬والثاني،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬البورتريهات‭ ‬الثلاثة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انتمائها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭ ‬متباعدة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬شخصية‭ ‬آيت‭ ‬إيدر،‭ ‬فهي‭ ‬تتكامل‭ ‬وتتفاعل‭ ‬وتتحاور‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تجمعها‭ ‬بعض‭ ‬الخصائص‭ ‬المشتركة‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬تقديم‭ ‬صورة‭ ‬موجزة‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬حياته‭ ‬وتجربته‭ ‬السياسية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬أحلام‭ ‬الشباب‭ ‬مرورا‭ ‬بطور‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬الميداني‭ ‬ومخاطره‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬النضج‭ ‬والزعامة‭. ‬فإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬مجموع‭ ‬هذه‭ ‬البورتريهات‭ ‬وحاولنا‭ ‬تركيبها‭ ‬كرونولوجيا،‭ ‬سنجد‭ ‬أنها‭ ‬تحكي‭ ‬بلغتها‭ ‬وأسلوبها‭ ‬ومضامينها‭ ‬الخاصة‭ ‬وقائع‭ ‬وأحداث‭ ‬وحالات‭ ‬تجسد‭ ‬مستويات‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي‭ ‬عند‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬والتجارب‭ ‬والأخطار‭ ‬التي‭ ‬صادفها‭ ‬خلال‭ ‬مساره‭ ‬وأيضا‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬يصممها‭ ‬للالتزام‭ ‬السياسي‭. ‬

إن‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متواضع‭ ‬عليه،‭ ‬يشكل‭ ‬بمكونيه‭ ‬اللفظي‭ ‬والأيقوني‭ ‬عتبة‭ ‬أساسة‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬قارئه‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬إنه‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬يَعْبُر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬محتويات‭ ‬الكتاب‭ ‬ومضامين‭ ‬صفحاته‭. ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬الواجهة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يطل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬قارئه،‭ ‬فتقع‭ ‬إما‭ ‬الألفة‭ ‬أو‭ ‬النفور‭. ‬فالهواجس‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬مصمميه‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬ولاتزال‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الإبلاغي‭ ‬والتواصلي‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الرهان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬هو‭ ‬تقديم‭ ‬كتاب‭ ‬ناجح‭ ‬بصريا‭ ‬وفنيا،‭ ‬وأيضا،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الرهان‭ ‬الأكبر،‭ ‬استمالةُ‭ ‬القارئ‭ ‬واستدراجهُ‭ ‬للاقتناع‭ ‬بأهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬وقيمته‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اقتناؤُه‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬حالتنا‭ ‬هاته‭ ‬مختلف‭ ‬جدا،‭ ‬لأن‭ ‬شخصية‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الإواليات‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬والاجتهادات،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬الرجل‭ ‬ومواقفه‭ ‬ونضالاته‭ ‬أبلغ‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬استدعاء‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحيثيات‭ ‬والسياقات‭ ‬والواقعات‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬احتفاء‭ ‬بصريا‭ ‬باذخا‭ ‬يليق‭ ‬بحجم‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬لصاحبه‭ ‬وقيمته‭ ‬الرمزية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يتضمنه‭ ‬ويحتويه‭ ‬البورتريه‭ ‬‮«‬المُزَيِّن‮»‬‭ ‬لغلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬ودلالات‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القول‭. ‬إذ‭ ‬إضافة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يحفظ‭ ‬لنا‭ ‬ذكرى‭ ‬أساسة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بالمغرب‭ ‬المعاصر (‬3)‭ ‬، فهو‭ ‬يوثق‭ ‬للهموم‭ ‬السياسية‭ ‬لآيت‭ ‬إيدر‭ ‬ولانشغالاته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتزاماته‭ ‬بأمور‭ ‬الوطن‭ ‬وقضاياه‭. ‬لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الحمولة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬التعبيرية‭ ‬التي‭ ‬يحدثنا‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬عن‭ ‬موضوعه‭ ‬المصوَّر،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التأطير‭ ‬أو‭ ‬زاوية‭ ‬النظر‭ ‬أو‭ ‬التركيب‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬الصورة‭ ‬عموما‭. ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التصميم‭ ‬الفني‭ ‬لهذا‭ ‬البورتريه‭ ‬وإخراجه‭ ‬النهائي،‭ ‬والشيء‭ ‬نفسه‭ ‬بالنسبة‭ ‬للغلاف‭ ‬ككل،‭ ‬يكبح‭ ‬معانيه‭ ‬ودلالاته‭. ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المقاربة‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬الغلاف‭ ‬تنتمي‭ ‬لسجل‭ ‬بصري‭ ‬مغاير‭ ‬عن‭ ‬الأشكال‭ ‬والمحتويات‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬التصاميم‭ ‬المعاصرة‭ ‬الموسومة‭ ‬بالمشاغبة‭ ‬والالتباس‭ ‬والانفتاح‭. ‬إن‭ ‬مصممه‭ ‬مصمم‭ ‬هاوي‭ ‬تنقصه‭ ‬الخبرة‭ ‬والذوق‭ ‬الفني‭ ‬والجرأة‭ ‬على‭ ‬ركوب‭ ‬صهوة‭ ‬أي‭ ‬مغامرة‭ ‬بصرية‭ ‬تقلص‭ ‬من‭ ‬الحيز‭ ‬الذي‭ ‬يشغله‭ ‬المكتوب‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬الغلاف‭ ‬والسلطة‭ ‬التي‭ ‬منحت‭ ‬له،‭ ‬والنتيجة‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬قدم‭ ‬للقارئ‭ ‬عملا‭ ‬محتشما‭ ‬وخجولا‭. ‬أليس‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬قولا‭ ‬صريحا‭ ‬بأن‭ ‬منجز‭ ‬محمد‭ ‬بنسعيد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬الكلام‭ ‬‮«‬هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬محمد‭ ‬بنسعيد‭…‬‮»‬؟‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬ينشغل‭ ‬بتقديم‭ ‬لقارئه‭ ‬مادة‭ ‬توثيقية‭ ‬تفكر‭ ‬بالصور‭ ‬وتعبر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬عين‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬وواكبته‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وحروب‭ ‬واغتيالات‭. ‬وإذا‭ ‬افترضنا‭ ‬جدلا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬مطروح‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬فلماذا‭ ‬تلطيخ‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الهام‭ ‬من‭ ‬الفوتوغرافيات‭ / ‬البورتريهات؟‭ 

قد‭ ‬يُؤَجل‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتفرع‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬وأسئلة‭ ‬فرعية‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬جوابا‭ ‬البتة‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬سنحاول‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬تنسجه‭ ‬خيوط‭ ‬بورتريه‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬قصديات‭ ‬ومعاني‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استنطاق‭ ‬لغته‭ ‬وأسلوبه‭ ‬ثم‭ ‬استعاراته،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬إثارة‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالعلاقات‭ ‬والصلات‭ ‬الممكنة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭ ‬بملفوظ‭ ‬العنوان‭ ‬ثم‭ ‬ببورتريهات‭ ‬الصفحتين‭ ‬المذكورتين‭ ‬أعلاه (4)‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬بباقي‭ ‬العناصر‭ ‬المؤثثة‭ ‬لمساحة‭ ‬الغلاف‭ ‬كالانتشار‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭ ‬وقصديات‭ ‬اختياره‭ ‬دون‭ ‬لون‭ ‬آخر‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يمز‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه،‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭  ‬البورتريهات‭ ‬الشخصية‭ ‬الأخرى،‭ ‬هو‭ ‬التقاط‭ ‬الموضوع‭ ‬المصوّر‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬خارجي‭ ‬ومفتوح‭ ‬وفي‭ ‬واضحة‭ ‬النهار‭. ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬تعريفات‭ ‬القواميس‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬وضمنها‭ ‬الفوتوغرافيا‭ ‬ببورتريه‭ ‬في‭ ‬محيطهPortrait dans son environnement‭ . ‬نتساءل،‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المصادفة‭ ‬فقط،‭ ‬أم‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬حقا‭ ‬بمحاولة‭ ‬تمثيل‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬الطبيعي،‭ ‬أي‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي‭ ‬وتحديدا‭ ‬الشارع‭ ‬المغربي،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬زاده‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭ ‬والتراب‭ ‬؟‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه،‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬إبراز‭ ‬ملامح‭ ‬الوجه‭ ‬وخطوطه‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ولا‭ ‬تبيان‭ ‬الجانب‭ ‬اللباسي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬كما‭ ‬تطلعنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مجموع‭ ‬البورتريهات‭ ‬الشخصية‭ ‬المثبتة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب،‭ ‬وإنما‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬تخليد‭ ‬لحظة‭ ‬التَفَّ‭ ‬فيها‭ ‬المناضلون‭ ‬وتَجَمَّع‭ ‬فيها‭ ‬المتعاطفون‭ ‬وتجمهر‭ ‬فيها‭ ‬الحشود‭ ‬حول‭ ‬قائدهم‭ ‬التاريخي‭ ‬وزعيمهم‭ ‬السياسي‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الإنصات‭ ‬لخطابه‭ ‬المدوي‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بكلامه‭ ‬الجميل‭ ‬والمحبب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تضجر‭ ‬من‭ ‬استماعه‭ ‬الجموع‭. ‬والذي‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬تضخيم‭ ‬حجمه‭ ‬وتقوية‭ ‬صداه‭ ‬الميكروفون،‭ ‬ميكروفون‭ ‬مكبر‭ ‬الصوت،‭ ‬الذي‭ ‬تحمله‭ ‬يده‭ ‬اليمنى‭.‬

هكذا،‭ ‬يعترينا‭ ‬إحساس‭ ‬بأن‭ ‬البورتريه‭ ‬الذي‭ ‬ثم‭ ‬توظيفه‭ ‬كمادة‭ ‬بصرية‭ ‬للتوضيح،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬فترات‭ ‬تصميم‭ ‬الغلاف‭. ‬وذلك‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كثافة‭ ‬عناصره‭ ‬وزخمها،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الهيأة‭ ‬أو‭ ‬الحركات‭ ‬أو‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬تجسدها‭ ‬وضعة‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬اختيار‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬والموافقة‭ ‬أو‭ ‬التوافق‭ ‬عليه‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الإحساس‭ ‬الذي‭ ‬يتركه‭ ‬فينا‭ ‬تصميم‭ ‬هذا‭ ‬الغلاف‭ ‬ومختلف‭ ‬أشكاله‭ ‬الگرافيكية‭ ‬والبصرية،‭ ‬هو‭ ‬امتداح‭ ‬وتعضيد‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬التَكَلُّم‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تحضر‭ ‬هنا‭ ‬بِجَرَسٍ‭ ‬ضخم‭ ‬ونبر‭ ‬عال‭. ‬ومما‭ ‬قد‭ ‬يفسر‭ ‬كذلك‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬اللفظي‭ ‬كان‭ ‬سابقا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأيقوني،‭ ‬سواء‭ ‬بوعي‭ ‬أو‭ ‬بلاوعي،‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬المكتوب،‭ ‬أي‭ ‬العنوان،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬المعنى‭. ‬فالصيغة‭ ‬الذي‭ ‬يتقدم‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬يشتغل‭ ‬بها،‭ ‬تحدد،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬تفرض‭ ‬ضمنيا،‭ ‬زاوية‭ ‬القراءة‭ ‬كما‭ ‬ترسم‭ ‬حدود‭ ‬إنتاج‭ ‬معاني‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يُفْسَح‭ ‬المجال‭ ‬للتأويلات‭ ‬المتعددة،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تُتْرَك‭ ‬الفرصة‭ ‬للقراءات‭ ‬المنزاحة‭ ‬عن‭ ‬قصدية‭ ‬الملفوظ‭. ‬إن‭ ‬وظيفته‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬كبح‭ ‬أي‭ ‬تأويل‭ ‬قد‭ ‬يستنتج‭ ‬أو‭ ‬يفهم‭ ‬بقصدية‭ ‬أو‭ ‬بدونها‭ ‬لحظة‭ ‬استقبال‭ ‬الغلاف‭. ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬إنه‭ ‬يقوم‭ ‬بتوجيه‭ ‬القارئ‭ ‬نحو‭ ‬الكيفية‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬بها‭ ‬قراءة‭ ‬المكونات‭ ‬التي‭ ‬تؤثثه‭ ‬وخاصة‭ ‬البورتريه‭ ‬الذي‭ ‬وظف‭ ‬للإيضاح‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قراءة‭ ‬محتوى‭ ‬الكتاب‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬إنه‭ ‬يؤدي‭ ‬دورا‭ ‬أو‭ ‬بالأحق‭ ‬يقوم‭ ‬بوظيفة‭ ‬الترسيخ‭ ‬l’ancrage‭. ‬بارث،‭ ‬رولان‭. (‬1982‭): ‬31-33‭.‬

وإذا‭ ‬حاولنا‭ ‬استنطاق‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يتكون‭ ‬منه‭ ‬هذا‭ ‬العنوان،‭ ‬ووقفنا‭ ‬عند‭ ‬معجمه‭ ‬واشتقاقاته‭ ‬وتراكيبه‭ ‬ومعانيه‭. ‬فسنجد‭ ‬في‭ ‬القاموس‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬حرف‭ ‬‮«‬هكذا‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التنبيه (الهاء)‭ ‬والتشبيه‭) ‬الكاف)‭  ‬والإشارة ‭ )‬ذا)‭ ‬والذي‭ ‬يقابل‭ ‬في‭ ‬تفسيره‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬حرف‭ ‬يُستعمل‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬صيغة‭ ‬المبالغة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وظيفته‭ ‬النحوية‭ ‬واسهامه‭ ‬في‭ ‬تهذيب‭ ‬أسلوب‭ ‬الجملة‭ ‬وتركيبها‭. ‬أما‭  ‬كلمة‭ ‬‮«‬تَكَلَمَّ‮»‬‭ ‬فإنها‭ ‬تفيد‭ ‬ما‭ ‬معناه،‭ ‬نَطَقَ‭ ‬معنى‭ ‬وتحدَّث‭ ‬كلاما‭ ‬أي‭ ‬قولا‭. ‬كما‭ ‬يُقْصَدُ‭ ‬بها‭ ‬الفصاحة‭ ‬ثم‭ ‬النصيحة‭ ‬كما‭ ‬يخبرنا‭ ‬بذلك‭ ‬النص‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصة‭ ‬موسى‭ ‬الذي‭ ‬كَلَّمَهُ‭ ‬الله‭ ‬تكليما‭. ‬الفيروزأبادي‭. (‬1983‭): ‬172‭. ‬والجمع‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬العنصرين،‭ ‬يحيلنا‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬جديد‭ ‬يفيد‭ ‬الإكثار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الشيء‭ ‬أو‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬غيرهما‭. ‬وفي‭ ‬حالتنا‭ ‬هذه،‭ ‬يكون‭ ‬استعمالهما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التأكيد‭ ‬الضمني‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬الكتاب‭ ‬وصاحبه‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬على‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬طينة‭ ‬آيت‭ ‬إيدر؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سيحدثنا‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سوى‭ ‬كلام‭ ‬خير‭ ‬وبديهي‭ ‬وصاعِق‭ ‬حسب‭ ‬المصمم‭. ‬والخلاصة‭ ‬إن‭ ‬لأثر‭ ‬هذا‭ ‬المكتوب‭ ‬دورا‭ ‬بليغا‭ ‬وحاسما‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬الذات‭ ‬المدركة‭ ‬لهذا‭ ‬الغلاف،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬ومحاولة‭ ‬فهم‭ ‬مضامينها‭. ‬فهو‭ ‬يقوم‭ ‬بدور‭ ‬التوسط‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نقلته‭ ‬عين‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬والنظرة‭ ‬التي‭ ‬ستتلقى‭ ‬بها‭ ‬عين‭ ‬المشاهد‭ ‬هذا‭ ‬المدرك‭ ‬البصري‭. ‬فـ « لا‭ ‬يمكن‭ ‬للصورة‭ ‬الفوتوغرافية ‭  )‬كل‭ ‬الصور‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر)‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬بارث‭ ‬دائما،‭ ‬أن‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬العين‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقطيع‭ ‬مفهومي‭ ‬سابق،‭ ‬أي‭ ‬ضمن‭ ‬توليفة‭ ‬لغوية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬مضمون‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تمثيله‭. ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إدراك‭ ‬الصورة‭ ‬إلا‭ ‬ضمن‭ ‬لبوس‭ ‬لغوي،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يُجلي‭ ‬مضمونها‭ ‬ويُسَربها‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬دلالات‭.‬‮»‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬هذا‭ ‬التدليل‭ ‬بالتزامن،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬سيكون‭ ‬دالا‭ ‬على‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬الإدراك‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬تساؤل‭ ‬أو‭ ‬قلق‭ ‬أو‭ ‬صدمة‭ ‬يُحدثها‭ ‬الموضوع‭ ‬المدرَك‭ ‬عند‭ ‬المتلقي‮‬‭. ‬فلن‭ ‬يصبح‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬عبر‭ ‬العين‭ ‬قابلا‭ ‬للتعقل‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تسرب‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬واستوطن‭ ‬عوالمها،‭ ‬وخارجها‭ ‬سيظل‭ ‬مجرد‭ ‬أحاسيس‭ ‬غامضة‮ »‬‭) ‬بنگراد،‭ ‬سعيد‭ .((‬2019‭): ‬70‭. ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬أمعنا‭ ‬النظر‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬هيأة‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭ ‬وتوقفنا‭ ‬برهة‭ ‬على‭ ‬عناصره‭ ‬الأيقونية‭ ‬والتشكيلية،‭ ‬ألا‭ ‬يجيب،‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مستوياته،‭ ‬على‭ ‬مواصفات‭ ‬البورتريه‭ ‬السياسي‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات؟‭ ‬ولنتخيل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭ ‬منحت‭ ‬له‭ ‬بدوره‭ ‬فرصة‭ ‬التمتع‭ ‬بالمساحة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬احتكرها‭ ‬النص‭ ‬المكتوب،‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬وقعه‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬المشاهد‭ ‬بالتأثير‭ ‬نفسه‭ ‬أم‭ ‬سيخلق‭ ‬حتما‭ ‬أثرا‭ ‬مغايرا؟‭ ‬

إن‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬التأطير‭ ‬الذي‭ ‬استعمل‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬بورتريه‭ ‬آيت‭ ‬إيدر،‭ ‬يساعدنا‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬تمثل‭ ‬ملامحه‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬انفعالاته‭ ‬وتبيان‭ ‬مميزاته‭ ‬وخاصة‭ ‬إدراك‭ ‬كاريزميته‭. ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تقربنا‭ ‬اللقطة‭ ‬القريبة‭ ‬Plan rapproché‭ ‬الموظفة‭ ‬هنا‭ ‬منه‭ ‬أكثر‭. ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تمثيله‭ ‬منشغلا‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬خطبة،‭ ‬وبصوت‭ ‬مبحوح،‭ ‬على‭ ‬الجماهير‭ ‬الغفيرة‭ ‬الممثلة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمار‭ ‬والتي‭ ‬حجت‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬التجمع‭ ‬وربما‭ ‬امتد‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬المارة‭. ‬كذلك‭ ‬تخبرنا‭ ‬هذه‭ ‬اللقطة‭ ‬الأفقية‭ ‬بأن‭ ‬اللقاء‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬مقر‭ ‬الحزب،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اليافطة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الخلفي‭ ‬للصورة‭ ‬والمتدلية‭ ‬على‭ ‬حائط‭ ‬بناية‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد‮»‬‭. ‬كما‭ ‬تنقل‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬هذا‭ ‬العرس‭ ‬السياسي‭ ‬وعلى‭ ‬حرارة‭ ‬الحدث‭ ‬وطقسية‭ ‬الاحتفاء،‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬فصولها‭ ‬درجة‭ ‬سَيحْمل‭ ‬فيها‭ ‬الزعيم‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬الجماهير‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬والعهد‭ ‬والإخلاص‭ ‬والاعتراف‭ ‬لما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬جليلة‭ ‬وأيضا‭ ‬دعما‭ ‬لصموده‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬السياسية‭ ‬وتباثه‭ ‬في‭ ‬اختياراته‭ ‬الإيديولوجية،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬صورة‭ ‬تذكرنا‭ ‬بالاستقبالات‭ ‬التي‭ ‬تخصص‭ ‬عادة‭ ‬للأبطال‭ ‬الذين‭ ‬حققوا‭ ‬الانتصارات‭ ‬وبرعوا‭ ‬في‭ ‬المنجزات‭. ‬إن‭ ‬مختلف‭ ‬العناصر‭ ‬الممثلة‭ ‬داخل‭ ‬الحقل‭ ‬المصوَّر‭ ‬تعلي‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬الزعيم‭ ‬البطل‭ ‬كما‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حجم‭ ‬قاعدته‭ ‬الجماهيرية‭ ‬ذات‭ ‬الحضور‭ ‬المتنوع،‭ ‬وكما‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬حجم‭ ‬امتداداته‭ ‬وانغراسه‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬فحتى‭ ‬تضبيب‭ ‬النص‭ ‬المكتوب‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الصورة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الغاية‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬الموضوع‭ ‬الرئيس،‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬عينيه‭ ‬التي‭ ‬تمعن‭ ‬بنظراتها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الحقل‭ ‬وكأنها‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬قادم‭ ‬وبدماء‭ ‬جديدة‭ ‬وربما‭ ‬هي‭ ‬استدعاء‭ ‬لاستشراف‭ ‬مستقبل‭ ‬مضيئ‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬اختيار،‭ ‬بوعي‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬وعي،‭ ‬أقدم‭ ‬عليه‭ ‬المصمم‭ ‬حتى‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬اتجاه‭ ‬وحركة‭ ‬تصفح‭ ‬الكتاب‭. ‬ولمكر‭ ‬المصادفة‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الأفق‭ ‬الذي‭ ‬تعبر‭ ‬عنه‭ ‬عيناه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضعتها‭ ‬واتجاه‭ ‬نظرتها‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬والمكانة‭ ‬التي‭ ‬استوت‭ ‬عليه‭ ‬يافطة‭ ‬الحزب‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬الصورة؛‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراكب‭ ‬يعطينا‭ ‬الانطباع‭ ‬وكأن‭ ‬تلك‭ ‬الهموم‭ ‬والتطلعات‭ ‬والمصير‭ ‬التي‭ ‬يحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬عنوانها‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬تلك‭ ‬اليافطة؟‭ ‬لكن‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬المؤكد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬اللفظي‭ ‬هو‭ ‬وفاء‭ ‬مُلْتَقِط‭ ‬الصورة‭ ‬لتقاليد‭ ‬الفوتوغرافيا‭ ‬الصحافية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬فوتوغرافيا‭ ‬على‭ ‬تعيين‭ ‬وتحديد‭ ‬مكان‭ ‬اللقطة‭. ‬ومما‭ ‬يساعد‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬الموضوع‭ ‬واحتلاله‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬في‭ ‬الصورة،‭ ‬هو‭ ‬تطبيق‭ ‬تقنية‭ ‬قاعدة‭ ‬الأثلاث‭ ‬الثلاثة‭ ‬أثناء‭ ‬التقاط‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭ ‬والتي‭ ‬تمنح‭ ‬عين‭ ‬الرائي‭ ‬متعة‭ ‬وراحة‭ ‬ويسرا‭ ‬أثناء‭ ‬تلقيه‭ ‬للموضوعات‭ ‬الممثلة‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬وكذا‭ ‬طريقة‭ ‬توزيع‭ ‬العناصر‭ ‬على‭ ‬مساحتها‭. ‬ويبقى‭ ‬أهم‭ ‬عامل‭ ‬يقوم‭ ‬بشد‭ ‬العين‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬البورتريه‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأشكال‭ ‬أو‭ ‬المحتويات،‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬التأطير‭ ‬الذي‭ ‬انتقاه‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬وأبدع‭ ‬فيه‭. ‬والذي‭ ‬يخلق‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الحميمية‭ ‬والألفة‭ ‬بين‭ ‬شخصية‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬والمشاهد،‭ ‬بل‭ ‬يستدرج‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ينصت‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬حركات‭ ‬الموضوع‭ ‬المُصَوَّر‭ ‬وأن‭ ‬يهتم‭ ‬بنظراته‭ ‬وأن‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬أفعاله‭ ‬وأن‭ ‬يدقق‭ ‬في‭ ‬تعبيرات‭ ‬ملامح‭ ‬وجهه‭ ‬وجسده‭ ‬ككل،‭ ‬وأيضا‭ ‬الانشغال‭ ‬بمؤثثات‭ ‬محيطه‭ ‬بكل‭ ‬حذافيره‭ ‬وجزئياته‭. ‬أي‭ ‬إبداء‭ ‬رغبة‭ ‬وشوق‭ ‬أزيد‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬عن‭ ‬الزعيم‭ ‬وعن‭ ‬مقاصده‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬تفاصيل‭ ‬شخصيته‭ ‬وربما‭ ‬حياته‭. ‬لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الفسح‭ ‬الفنية‭ ‬والتأويلات‭ ‬الدلالية‭ ‬الممكنة‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬هذا‭ ‬البورتريه‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬وأيضا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الأحياز‭ ‬البصرية‭ ‬التي‭ ‬يغدق‭ ‬بها،‭ ‬فإن‭ ‬العين‭ ‬تشعر‭ ‬وهي‭ ‬تتلقى‭ ‬حالة‭ ‬هذا‭ ‬الغلاف‭ ‬وشكله‭ ‬بالاحتباس‭ ‬والاختناق‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬إن‭ ‬اللون‭ ‬والخطوط‭ ‬وبند‭ ‬الخط‭ ‬وشكله‭ ‬المستعمل‭ ‬والأسلوب‭ ‬التناظري‭ ‬Symétrique‭ ‬الذي‭ ‬سلكه‭ ‬المصمم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬عناصر‭ ‬الغلاف‭ ‬وإخراج‭ ‬مساحته‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬تُقَوِّض‭ ‬من‭ ‬السجل‭ ‬الإيحائي‭ ‬لهذا‭ ‬البورتريه‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬لغلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬ككل؟‭    

إن‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬ذهن‭ ‬المصمم،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬سقطت‭ ‬سهوا‭ ‬أثناء‭ ‬مراحل‭ ‬إنجازه‭ ‬لتصميم‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬عين‭ ‬المشاهد‭ ‬وهي‭ ‬تتلقى‭ ‬المضامين‭ ‬والأشكال‭ ‬البصرية،‭ ‬التي‭ ‬يحتويها‭ ‬الغلاف‭ ‬بطريقة‭ ‬تصريحية‭ ‬أو‭ ‬مضمرة،‭ ‬تتجاوب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تشاهده‭ ‬وتستجيب‭ ‬له‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬راكمته‭ ‬ذاكرتها‭ ‬وتجربتها‭ ‬من‭ ‬خبرة‭ ‬بصرية‭. ‬فالعين،‭ ‬كمجمل‭ ‬الحواس،‭ ‬تمتلك‭ ‬وتتمتع‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والدربة‭ ‬والتجربة‭ ‬التي‭ ‬تؤهلها‭ ‬للقيام‭ ‬بالتفصيل‭ ‬والتقطيع‭ ‬والتجزيئ‭ ‬والانتقاء‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬تشاهده‭. ‬وأنه‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السيرورة‭ ‬التفاعلية،‭ ‬تقوم‭ ‬بتمثيل‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المشاهد‭ ‬كما‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬التعرف،‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي،‭ ‬على‭ ‬عناصرها‭ ‬وأحجامها‭ ‬وإحاطاتها‭ ‬وألوانها‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬البصرية‭ ‬أيضا،‭ ‬يتمكن‭ ‬المشاهد‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الألفة‭ ‬والتجاوب‭ ‬والمتعة‭ ‬والانشراح‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬ويدركه‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬ورسوم‭ ‬ومنحوتات‭ ‬ومشاهد‭ ‬أو‭ ‬يحصل‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬فتقع‭ ‬الخيبة‭ ‬والنفور‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬إن‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬الإبلاغ‭ ‬والتواصل‭ ‬وتحقيق‭ ‬المتعة‭ ‬والاستمتاع‭ ‬وإثارة‭ ‬الحواس‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات،‭ ‬أي‭ ‬إنتاج‭ ‬بورتريه‭ ‬عن‭ ‬زعيم‭ ‬سياسي‭ ‬بمفردات‭ ‬بصرية،‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬قيمة‭ ‬عن‭ ‬نظيره‭ ‬اللغوي‭. ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هذا‭ ‬الغلاف،‭ ‬لأن‭ ‬العين‭ ‬بمجرد‭ ‬ما‭ ‬تحاول‭ ‬النظر‭ ‬بتمعن‭ ‬في‭ ‬تدرجات‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق،‭ ‬أي‭ ‬الأزرق‭ ‬البروسي‭  ‬Bleu prusse‭ ‬والأزرق‭ ‬الطاووسي‭ ‬Bleu paon،‭ ‬الذي‭ ‬يكسو‭ ‬الغلاف‭ ‬ويهيمن‭ ‬على‭ ‬مساحته‭ ‬حتى‭ ‬تشعر‭ ‬بالقنوط‭ ‬والانقباض‭. ‬قد‭ ‬نتفهم‭ ‬رغبة‭ ‬المصمم‭ ‬وقصديته‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬أحد‭ ‬اللونين‭ ‬الموجودين‭ ‬بقائمة‭ ‬الألوان‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬مُمَيَّز‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬محمد‭ ‬بنسعيد‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬للأبحاث‭ ‬والدراسات‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬بالمناسبة‭ ‬يعيد‭ ‬توليد‭ ‬بشكل‭ ‬مكثف‭ ‬الأفكار‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬عليها‭ ‬معاني‭ ‬البورتريه‭. ‬لكن‭ ‬طريقة‭ ‬توزيع‭ ‬اللون‭ ‬هنا‭ ‬وطلائه‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬خط‭ ‬قطري‭ ‬En diagonale‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُنْتَج‭ ‬عنه‭ ‬سوى‭ ‬الاحساس‭ ‬بالتناظر‭ ‬الذي‭ ‬يولد‭ ‬بدوره‭ ‬الرتابة‭ ‬والسكون‭ ‬في‭ ‬النفس‭. ‬ألم‭ ‬يشكل‭ ‬اللون‭ ‬في‭ ‬ثقافات‭ ‬متعددة‭ ‬أولى‭ ‬اللغات‭ ‬التي‭ ‬نخاطب‭ ‬بها‭ ‬النفوس‭ ‬والأحاسيس‭ ‬والوجدان‭ ‬؟‭ ‬إن‭ ‬عين‭ ‬المشاهد‭ ‬حين‭ ‬تتلقى‭ ‬هذا‭ ‬اللون،‭ ‬تصطدم‭ ‬به‭ ‬ثم‭ ‬تتلطخ‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تطمس‭ ‬كل‭ ‬النقاط‭ ‬والخطوط‭ ‬والحركات‭ ‬والأشكال‭ ‬والأحجام‭ ‬والكتل‭ ‬التي‭ ‬يحبل‭ ‬بها‭ ‬الغلاف‭ ‬كما‭ ‬تتوارى‭ ‬أمامه‭ ‬باقي‭ ‬الألوان‭. ‬إن‭ ‬تعبيرات‭ ‬الأمل‭ ‬والتغيير‭ ‬والانتماء‭ ‬والتعاقد‭ ‬والحلم‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أفضل،‭ ‬وهي‭ ‬الفكرة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬بورتريه‭ ‬الزعيم‭ ‬هنا‭ ‬وأيضا‭ ‬مضامين‭ ‬الكتاب،‭ ‬التي‭ ‬عودتنا‭ ‬عليها‭ ‬المعاني‭ ‬الثقافية‭ ‬والدلالات‭ ‬الرمزية‭ ‬لبعض‭ ‬تدرجات‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭ ‬تنهار‭ ‬وتتلاشى‭ ‬أمام‭ ‬صلابة‭ ‬هذين‭ ‬اللونين‭. ‬

وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الهفوات‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الأشكال‭ ‬والألوان‭ ‬والخطوط‭ ‬وهاته‭ ‬التذبذبات‭ ‬في‭ ‬انتقاء‭ ‬المحتويات‭ ‬والمعاني‭ ‬والدلالات،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬غلاف‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬محمد‭ ‬بنسعيد‭…‬‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سلطته‭ ‬على‭ ‬الافتتان‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬ضيع‭ ‬فرصة‭ ‬الإغراء‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭. ‬لقد‭ ‬نسي‭ ‬المصمم‭ ‬بأن‭ ‬الدور‭ ‬الأساس‭ ‬للغلاف،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬التلفيف‭ ‬والتزيين‭ ‬والإيضاح،‭ ‬هو‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬الواجهة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬محتويات‭ ‬الكتاب‭ ‬والتعريف‭ ‬به،‭ ‬أي‭ ‬واجهة‭ ‬للإبلاغ‭ ‬والتواصل‭ ‬بامتياز‭. ‬إن‭ ‬الترسانة‭ ‬البصرية‭ ‬التي‭ ‬استعان‭ ‬بها‭ ‬المصمم‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬الغلاف،‭ ‬طمست‭ ‬مختلف‭ ‬الإيحاءات‭ ‬والاستعارات‭ ‬والدلالات‭ ‬الذي‭ ‬يزخر‭ ‬بها‭ ‬بورتريه‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬موضوع‭ ‬الكتاب‭. ‬لقد‭ ‬تحولت‭ ‬وظيفة‭ ‬الفوتوغرافيا‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬التشخيص‭ ‬الحسي‭ ‬والإيضاحي‭ ‬لكلمة‭ ‬تَكَلَّمَ‭ ‬ولمعانيها‭. ‬وكأن‭ ‬دور‭ ‬الغلاف‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬التطابق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬تستثيره‭ ‬الكلمات‭ ‬وما‭ ‬تمثله‭ ‬الصور‭ ‬وضمنها‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬من‭ ‬عوالم‭ ‬وأكوان‭ ‬ثقافية‭. ‬وتلك‭ ‬مشكلة‭ ‬تعيدنا‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬سؤال‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المرئي‭ ‬والمكتوب‭ ‬وتمثيلاتها‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬تمثلاتها‭ ‬عند‭ ‬نخبتنا‭.‬

 جعفر عاقيل

رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي وأستاذ باحث في الفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والإتصال بالرباط

 

هوامش

  • 1)‭ ‬) الكتاب‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬منشورات‭ ‬مركز‭ ‬محمد‭ ‬بنسعيد‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬للأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬سنة‭ ‬2018،‭ ‬يقع‭  ‬في‭ ‬425‭ ‬صفحة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬وإخراج‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬زكري‭. ‬وقد‭  ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الفوتوغرافيات‭ ‬المستعملة‭ ‬للإيضاح‭ ‬فيه‭ ‬مائة‭ ‬وستة‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬الفوتوغرافيات‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬وثائق‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬استعملت‭ ‬لتزيين‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب‭. ‬وللإشارة،‭ ‬فهذه‭ ‬القراءة‭ ‬تمتنع‭ ‬عن‭ ‬مناقشة‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعطيات‭ ‬والأحداث‭ ‬والأحكام‭ ‬التي‭ ‬يثيرها‭ ‬الكتاب‭. ‬أولا،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬الزاد‭ ‬المعرفي‭ ‬والفكري‭ ‬والتاريخي‭ ‬الكافي‭ ‬لذلك‭. ‬وثانيا،‭ ‬لأنها‭ ‬رسمت‭ ‬لنفسها،‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬حدود‭ ‬مجال‭ ‬اشتغالها‭ ‬واهتمامها‭ ‬ونقصد‭ ‬بذلك‭ ‬أساسا‭ ‬الجانب‭ ‬البصري‭ ‬وتحديدا‭ ‬البورتريه‭ ‬الشخصي‭ ‬لمحمد‭ ‬بنسعيد‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭. 

    (2) ‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الملاحظات‭ ‬الممكنة،‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬البورتريهات‭ ‬الشخصية‭ ‬وكذا‭ ‬الفوتوغرافيات‭ ‬الإيضاحية‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬تزين‭ ‬غلافه‭ ‬وفقراته‭ ‬مؤشرا‭ ‬عن‭ ‬تشكل‭ ‬وعي‭ ‬بالدور‭ ‬التأريخي‭ ‬للفوتوغرافيا،‭ ‬وكذا‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬نضج‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الكاتب‭ ‬بقيمتها‭ ‬كوثيقة‭ ‬بصرية‭ ‬تسجيلية‭ ‬أساسة‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬الأحداث‭ ‬والمناسبات‭ ‬والوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬المعاصر‭ ‬للمغرب‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الاسهام‭ ‬بقسط‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬بعض‭ ‬فصوله‭.‬

    (3) ‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬التقاط‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬احتجاجات‭ ‬شبـاب‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبرايـر‮»‬،‭ ‬وتحديدا‭ ‬احتجاج‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬مـارس‭ ‬2011‭  ‬بالـدار‭ ‬البيضاء‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يبـرر‭ ‬اختيارها‭ ‬في‭ ‬طننا‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الرسالة‭ ‬الموجهة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬آيت‭ ‬إيدر‭ ‬إلى‭ ‬شباب‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬والتي‭ ‬تضمنتها‭ ‬الفصول‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭. ‬وللإخبار‭ ‬فهذه‭ ‬الفوتوغرافيا‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬ملتقطها‭ ‬وإنما‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬البَايْلاَنْ‭ ‬Byline‭ ‬الذي‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬وكالة‭ ‬الفوتوغرافـيـا‭ ‬المـغربيـة‭ ‬أيس‭ ‬بريس‭ ‬AIC Press‭.  

    (4)‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هاتين‭ ‬الفوتوغرافيتين،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬البورتريه‭ ‬الثاني‭ ‬يمثل‭ ‬أول‭ ‬بورتريه‭ ‬التقط‭ ‬لآيت‭ ‬إيدر‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬استقراره‭ ‬بمراكش،‭ ‬أي‭ ‬بداية‭ ‬تشكل‭ ‬الوعي‭ ‬المديني‭ ‬عنده‭. ‬وهو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬المصادفة‮»‬‭ ‬أول‭ ‬صورة‭ ‬تطل‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬حكي‭ ‬قصة‭ ‬حياته‭. ‬أما‭ ‬البورتريه‭ ‬الثالث‭ ‬فيجسد‭ ‬بورتريه‭ ‬متنكر‭ ‬وهي‭ ‬إحالة‭ ‬صريحة‭ ‬للظـــــــروف‭ ‬الحياتية‭ ‬الحالكة‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬منها‭ ‬الموضوع‭ ‬المصور‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬فترات‭ ‬حياته‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وهي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬ووضعية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفــــــــــــــترة‭ ‬من‭  ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭. ‬يمكن‭ ‬العودة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬لمفتاح‭ ‬La légende‭ ‬الفوتوغرافيتين‭ ‬لاستخراج‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭. ‬

    بيبليوغرافيا‭

    ‭- ‬الفيروزأبادي‭. (‬1983‭). ‬القاموس‭ ‬المحيط؛‭ ‬المجلد‭ ‬الرابع،‭ ‬منشورات‭ ‬دار‭ ‬الفكر،‭ ‬بيروت،‭ ‬مصر‭. ‬

  • ‭- ‬بنگراد،‭ ‬سعيد‭. (‬2019‭). ‬تجليات‭ ‬الصورة‭ ‬سيميائيات‭ ‬الأنساق‭ ‬البصرية؛‭ ‬منشورات‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬للكتاب،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬المغرب‭.‬‭                                                       

  • ‬Barthes‭, ‬Roland‭. (‬1982‭). ‬L’obvie et l’obtus‭, ‬Essais critiques III‭ ; ‬Ed‭. ‬Seuil‭, ‬Coll‭. ‬Point Essais‭, ‬Paris‭, ‬France‭. ‬

Vous pouvez être intéressé par
  • 2 Juin 2021
  • 0
Invité par l’Ecole Normale Supérieure de Fès pour participer à la journée d’études dédiée à la célébration de la poésie, il m’a fallu, étant donné...
  • 12 Juil 2021
  • 0
  Ce geste de la main qui peuple le royaume des ombres d’une ménagerie fabuleuse, ce geste d’une aisance inouïe qui est l’expression d’un  tremblement...
  • 24 Mai 2021
  • 0
Le débat sur la problématique du statut de la photographie au Maroc et de son histoire ne date pas d’aujourd’hui. Déjà à la fin du...